مراجعة فيلم Hit The Road


"إذا قتلت صرصاراً فلا تلقي بجثته داخل الحمام، لأن أبويه اللذين أرسلاه ليرى العالم لن يريدا أن يعود إليهما جثة هامدة" 

 هي التجربة الاخراجية الأولى للمخرج باناه باناهي والتي تبشر بولادة صانع جديد من صناع السينما الواعدين الذي قد يحول دفة الأفلام الإيرانية نحو بعد جديد وغير مألوف إذا طور نفسه مستقبلاً لما هو أفضل من ذلك..

رحلتنا تسير نحو المجهول عبر طريق معلوم لكن نهاية هذا الطريق لا أحد يعرف شيئاً عنه، فهو طريق الفقدان الذي يفقد الأشخاص بعضهم بعضاً عند نهايته وهم غير متأكدين إن كانت هناك عودة ولقاء من جديد أم لا..

تتكون الرحلة من أفراد الأسرة الأربعة والذي استطاع سيناريو الفيلم الذكي من أن يطلعنا على حالهم بأسلوب يعتمد على ذكاء المشاهد بدلاً من أن يلقنهم ذلك بطريقة تقليدية.. فنرى أب عاجز قدمه مكسورة ومعلقة في جبيرة، ذو لحية غير مرتبة وشارب كثيف وشعر أغبر ووجه عابس ولسان يسخر من كل شئ فيعبر عن كم السخط المكنون داخل قلبه على حالته المادية والنفسية والتي لا تختلف كثيراً عن معظم أفراد الشعب في إيران تحت حكم الملالي..

ثم نجد الأم الضاحكة والباكية في نفس الوقت جراء مشاعرها المضطربة التي تتعارك خلالها عاطفتها مع عقلها حتى يكون الانتصار نصيب العاطفة كعادة معظم الأمهات وبنات حواء.. 

مع وجود ملح الفيلم الأخ الصغير الذي لا يعرف ما هية السكوت أو الهدوء، لكنه فقط يصيح ويتكلم ويهرج ويتحرك بلا أية أسباب وكأن الكهرباء المتواجدة في جسده الصغير كافية لجعل بلدة بأكملها تضئ ليلاً ونهاراً من دون انقطاع أو من دون أن ينقص ذلك من طاقته شيئاً..

حتى نصل إلى سائق السيارة الأخ الأكبر الذي يعيش في عالم آخر منفصل طوال الرحلة يذرف دمعاً ويشكو وجعاً ويتألم صمتاً كونه الشخص الذي سيفارقهم ويفقدهم عند نهاية الطريق، أو كما لمح له والده بأنه الصرصار الذي أخرجه والديه من حمام الملالي نحو عالم نظيف..

إذن فهم أربعة وخامسهم كلبهم، ذلك الكلب الذي تعلق به الأخ الصغير بعدما وجده أبوه في الشارع ينازع الموت فأهداه إلى إبنه وهو لا يعلم بمرضه الذي قد يميته في أي وقت ومن ثم ينكسر خاطر ولده الصغير عليه.. 

الفيلم هو عبارة عن استعراض بصري لجمال الطبيعة على حدود إيران وكأن ذلك الجمال الرباني لم يتمكن ملاليو الفرس من محيه وكأن المخرج يتساءل عبر هذا الاستعراض كيف لرجل عاقل أن يفكر في ترك كل هذا الجمال ويرحل.. 

حوارات الفيلم أيدت ذلك، فمن خلال الاسقاطات السياسية العابرة على حال البلاد وعبر كتابة جميع الشخصيات التي ترى قدوتها في شخص أجنبي لعدم ثقتها في كل من له علاقة بالوطن حتى ولو كان ذلك القدوة رجل محتال اعترف باحتياله أو فيلم الحادي يخالف عقيدة المشاهد المنبهر به أو بطل خارق وهمي ليس له وجود إلا من خلال رسومات الكوميكس وأفلام السينما..

لجأ المخرج إلى استخدام كادرات واسعة وثابتة في معظم فترات الفيلم لكي يتمكن من تقسيم المشهد الواحد إلى عدة مشاهد في نفس الوقت، وكأن كل شخصية تجسد دورها في مشهد منفصل لكنه في مكان واحد ورغم هذه الضوضاء التي يفترض أن تتواجد في مثل هذا النوع من المشاهد إلا أن إدارة المخرج السليمة لتلك المشاهد جعلتنا نستمتع بكل تفصيلية فيه حتى ولو كانت صياح طفل مربوط في شجرة أقصى اليمين، وأم تهرول يميناً ويساراً بعرض الشاشة وأب يتوسط الكادر بثبات الرجل الحزين ودراجة نارية تتوجه نحو المجهول وعليها شاب طموح في أقصى اليسار 👏

ينتهي الفيلم بنهاية درامية واقعية طرحت علينا كمشاهدين تساؤل مهم عن الفقدان ومشاعره، وهل الموت أشد وطئاُ على القلب من الرحيل والبعد، أم أن الإنسان هناك لا أحد سوف يحزن على فراقه مثلما سوف يحزنون على موت كلب؟


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة فيلم مندوب الليل

مراجعة التحفة التلفزيونية Succession

مراجعة فيلم كيرة والجن