المشاركات

مراجعة فيلم مندوب الليل

صورة
"دومًا ما كنت أرى مدينة الرياض مظلومة في الأعمال الفنية، فهي لا تقل جمالًا عن مثيلاتها في البلاد العربية، تتوسع من بيوت تراثية إلى أحياء جنوبية ثم تتمدد شمالاً بتصاميم عصرية لتزدهر الآن وما حولها فتكتب حاضرًا يشق طريقه نحو مستقبل لا يقل أبدًا عن ماضيها العريق.. حتى جاء علي الكلثمي ورفع عنها ذلك الظلم الفني فكشف الحجاب عنها لأرى جمالها بعدسة الكاميرا تمامًا مثلما أراه أنا بأم عيني، وأخص بالذكر جمالها في الشتاء وهو الفصل الذي اختار الكلثمي أن تدور أحداث قصته فيه فتتعانق الأجواء الباردة بواقع (فهد) الملتهب والذي كلما ظن أن جمره قد انطفأ إذا بالحياة تنفث فيه نارًا من حيث لا يحتسب" حبذت لو اكتفى علي بكلمة مندوب فقط من دون الليل لتصبح هي عنوان الفيلم، فالمندوب كما عرفه الكلثمي هو المسئول عن توصيل شئ ما أو من مات وندبه أهله بعد موته أو تعيس الحظ الذي يندب حظه أو الشخص الذي أصابه حادث فترك فيه جرحًا يظل مرافقه فيما تبقى من حياته، ولا يوجد مكان على وجه الأرض أو زمان على مدى الدهر يخلو من ذلك المندوب تعيس الحظ، جريح القلب الذي يموت شيئًا فشيئًا حتى إذا مات كله قال عنه الناس "مات&q

مراجعة التحفة التلفزيونية Succession

صورة
  إِنَّ الأَفاعي وَإِن لانَت مَلامِسُها عِندَ التَقَلُّبِ في أَنيابِها العَطَبُ بين الجيل والآخر أو العقد وتابعه يحضر أمام أعيننا عملاً تلفزيونياً يعيد صياغة التلفاز من جديد وينقل الشاشة الصغيرة إلى مستوى أعلى ونحو تحديات أكبر من تلك التي سبقتها فمثلاً وكما قرأت بأن مسلسل The Twilight Zone هو الذي بدأ تلكم الطفرة في المسلسلات بأفكاره المبتكرة والخارجة عن المألوف، أيضاً كان مسلسل Twin Peaks هو صاحب طفرة كبيرة عام ١٩٩٠ قادها لينش بجنونه وكوابيسه فجعلت الشبكات تطمح في صناعة عمل يصل إلى نفس مستواه، ثم أتى مسلسل The Sopranos ليعلن أن تلفاز الألفية يختلف كلياً عن تلفاز ما قبل الألفية وهو ما أكدته شبكة HBO المنتجة للعمل بعدما قدمت لنا مسلسل The Wire والذي كان جزءاً مفصلياً من هذا التغيير إلى أن وصلنا إلى عصر Breaking Bad وزمن فينس جيليجان الذي استطاع فعلياً أن يجعل ما قبله من أعمال مجرد ماضي وما بعده من أعمال تبقى عالقة في الزمن الذي صنعت فيه حيث كان العمل الذي حول دفة التلفاز بالكامل تجاه رؤية مختلفة لم يسبق أن صنع فناناً ما عملاً فنياً يضاهي جماله أو نصفه أو ثلثه.. لكن التحدي الذي وُضع فيه

مراجعة فيلم Decision to Leave

صورة
  "ويفرغ المكان.. فيدل على قدر من كان فيه" مكان فارغ في نظر صاحبه رغم امتلاءه بالكثير من الأشخاص والأحداث.. لكن لا روح فيه تعانق روح صاحبه أو وجداناً يلمس وجدانه أو قلباً يسمع دبيب قلبه الذي تحول إلى روبوت تحركه خوارزمية الحياة ونظامها الروتيني.. هي.. تظهر فجأة في حياته الروتينية.. تطفو كخطأ برمجي وسط مصفوفة حياته الروبوتية.. فتجعله يرى فيها ما لم يرى في غيرها من الخلائق.. ويراقب من أحداث يومها ما لم يهتم بمراقبته من سنوات غيرها..  فيتبدل.. ويتجدد..  لأنه وجد فيها ما لم يجده في الأخرين..  لقد وجد فيها الحياة.. هي الحب الذي يحتاج إليه والدواء الذي يعالج داءه والقلب الذي يهدئ من روع قلبه المضطرب عندما يستشعر بنبضها يمر حول طيفه.. وهو الأمان الذي تبحث عنه، والرجل القوي الذي سيدافع عنها، وذراع الحنان التي ستلتف حول عنقها لتداعب شعرها بأنامله.. لكنها متهمة بالقتل، وهو مكبل بأن يحقق معها.. فلا حب سيكتمل له ولا أمان ستحصل عليه هي.. لكنها ملأت كل الأماكن الفارغة التي كانت خاوية حتى من عروشها قبل قدومها في صحيفة قدره.. ما يحركه تجاهها بهذا الشكل الذي رأيت هو الأرق الذي يعصف بعقله ويجع

مراجعة فيلم Nope

صورة
  "رسالة شكر من جوردن بيلي لأولئك المجهولين الذين ظلت أفعالهم خالدة في سطور التاريخ حتى وإن سجلهم كاتب التاريخ تحت إسم NOPE" هل يستطيع أحد منكم أن يخبرني بنوع المخدر الذي يتعاطاه جوردن بيلي عند كتابة أفلامه، فتلك الأفكار المجنونة لا تأتي إلا من مخيلة رجل عقله يسبح في ملكوت غير الذي تسبح فيه عقول الآخرين للمرة الثالثة على التوالي يتمكن بيلي من أن يصل بي إلى درجة من الذهول والابهار لم أصل إليها إلا مع قلة من المخرجين، فبعد العمل المفاجأة Get Out عام ٢٠١٧ والذي قدم من خلاله بيلي نفسه على شاكلة رعب نفسي مختلفة تماماً عن سوابقه الكوميدية المشهور بها جاء إلينا بفيلم Us عام ٢٠١٩ ورغم التفاوت الكبير لدى مشاهديه بين معجب به وساخط منه لكنه كان خير فاتحة للعام السينمائي الذهبي ٢٠١٩ والذي تلألأت فيه الصناعة وتوهجت بأعمال أيقونية من ضمنها فيلم بيلي  ليعود بعد غياب ٣ سنوات بعمل أصلي من كتابته وإخراجه وكذلك إنتاجه فتزداد سينماه جمالاً فوق جمالها الغني عن التعريف في فيلم NOPE يضعنا بيلي في رحلة سينمائية مختلفة بعض الشئ عن عمليه السابقين، ويكمن ذلك الإختلاف في التنوع الكبير بين الفئات السينما

مراجعة فيلم Hit The Road

صورة
"إذا قتلت صرصاراً فلا تلقي بجثته داخل الحمام، لأن أبويه اللذين أرسلاه ليرى العالم لن يريدا أن يعود إليهما جثة هامدة"   هي التجربة الاخراجية الأولى للمخرج باناه باناهي والتي تبشر بولادة صانع جديد من صناع السينما الواعدين الذي قد يحول دفة الأفلام الإيرانية نحو بعد جديد وغير مألوف إذا طور نفسه مستقبلاً لما هو أفضل من ذلك.. رحلتنا تسير نحو المجهول عبر طريق معلوم لكن نهاية هذا الطريق لا أحد يعرف شيئاً عنه، فهو طريق الفقدان الذي يفقد الأشخاص بعضهم بعضاً عند نهايته وهم غير متأكدين إن كانت هناك عودة ولقاء من جديد أم لا.. تتكون الرحلة من أفراد الأسرة الأربعة والذي استطاع سيناريو الفيلم الذكي من أن يطلعنا على حالهم بأسلوب يعتمد على ذكاء المشاهد بدلاً من أن يلقنهم ذلك بطريقة تقليدية.. فنرى أب عاجز قدمه مكسورة ومعلقة في جبيرة، ذو لحية غير مرتبة وشارب كثيف وشعر أغبر ووجه عابس ولسان يسخر من كل شئ فيعبر عن كم السخط المكنون داخل قلبه على حالته المادية والنفسية والتي لا تختلف كثيراً عن معظم أفراد الشعب في إيران تحت حكم الملالي.. ثم نجد الأم الضاحكة والباكية في نفس الوقت جراء مشاعرها المضطربة

مراجعة وشرح فيلم Men

صورة
"إن الرجال لا يستطيعون العيش من دون النساء كما أن النساء لا يقدرن على الحياة بغير الرجال.. هي الفطرة الثابتة التي لن تغيرها أية أفكار حتى ولو كانت أفكار المخرج أليكس غارلاند في هذا الفيلم" لقد أنزلته من منزلة كل الناس إلى منزلة ككل الناس، وهي المنزلة التي وصف بها الرافعي انحدار علاقة الحب بين الطرفين عندما تود المرأة أن تنهي تلك العلاقة سواء بسبب أو بدون، منزلة أنزلت هاربر زوجها جيمس إليها وأرادت على إصرها الطلاق لتبدأ حياة جديدة تولد فيها من جديد بينما يعش هو حياته أيا كانت.. لكن ذلك الزوج لم يطلب منها سوى الحب، أن تعطيه حبها الذي من دونه لن يستطيع أن يكمل حياته، فرصة أخرى تمنحها له لكي يرتقي إلى المنزلة الخاصة في مكنون قلبها ولينبض من جديد بالحب مثلما كان ينبض في القديم.. لكنها رفضت بعد شجار عنيف دار بينهما سقط على إثره زوجها من أعلى الشرفة لكي ينفذ تهديده لها بالانتحار إن لم تعطه تلك الفرصة..  لقد حملها زوجها ذنباً كبيراً على ظهرها جعلها تعتقد أنها السبب في موته لتحيا حياتها وهي تعذب بهذا الذنب الذي تفنن المخرج في تبرئتها منه رغم اقترانه بها وبشكل كامل.. فتقرر اللجوء إلى ر

مراجعة فيلم كيرة والجن

صورة
"لا يوجد فيلم مصري حالياً يستحق تقييم أكثر من ثلاثة نجوم مهما كان أبطاله أو مؤلفه أو مصوره أو مخرجه وأي تقييم أعلى من هذا فهو غير موثوق على الإطلاق"  هو أول الخيبات السينمائية في عام ٢٠٢٢ رغم معالم الخيبة الواضحة منذ نشر بوستر الفيلم الرسمي المصمم ببرنامج الرسام، وبعد عرض تريلر الفيلم العشوائي الذي فضح كل مشاهد الفيلم تقريباً، وانتهاءاً بمشاهدتي له قبل قليل والتي كانت تجربة مبشرة في بدايتها كطائرة مدت أجنحتها استعداداً للإقلاع في السماء لكنها تحولت فجأة إلى توكتوك شعبي مزعج وغوغائي حتى انقلب بمن هم على متنه في وحل من الهراء الكتابي والإخراجي والتمثيلي في تجربة من أبغض ما شاهدت.. خمسة وستون ريالاً هي قيمة المبلغ الذي تم استقطاعه من حسابي البنكي مضافاً إليه خمسة ريالات قيمة الضريبة المضافة مع مبلغ أربعين ريال قيمة الفيشار والمشروب بإجمالي مائة وثلاثين ريالاً تم صرفها لشراء ذكرى سينمائية باهتة تمنيت لو أني قد صرفتها في أمور أخرى أكثر أهمية.. بدأ الفيلم بداية مميزة - نعم مميزة- تقديم للشخصيات الرئيسية ببراعة والمساعدة بإتقان وحتى تلكم العابرة تم وضع خط قصصي مناسب لها مهما كان قصي

مراجعة فيلم The Black Phone

صورة
"قُضي في الحياة أن يكون المنتصر هو من يتلقى الضربات.. لا من يضربها" - مصطفى صادق الرافعي  إننا نعيش في سنة سينمائية إستثنائية من كل النواحي والاتجاهات، فجميع إنتاجاتها التي انتظرت منذ بدايتها وحتى انتصافها كانت على قدر المتوقع بل وتخطته في البعض منها، حتى الأفلام التي لا تتوافق مع توجهي حملت لي مفاجآت فنية لم أكن أتخيلها منها، وهذا الفيلم هو واحد من الأفلام التي لم تخيب ظني كمشاهد انتظر رؤيته منذ صدور إعلانه الأول على الإنترنت.. تجربتي الثانية مع المخرج سكوت ديريكسون - وليس دركسون كما قال زميلي في العمل - بعد مشاهدتي لفيلمه الشهير Sinister والذي أعجبني كفيلم رعب مكتوب بأسلوب مختلف وطريقة سرد مبتكرة رفعت من أسهم فيلمه الجديد عندي مثلما حدث مع أغلب المشاهدين وهي المشكلة الأكبر التي واجهها هذا الفيلم وسأذكرها لاحقاً في نهاية كلامي.. كم أعشق الأفلام ذات الطابع الغريب وإن تكررت فكرتها أو الكليشيه المبنية عليه لكن اختلاف القصة وطريقة سردها وصناعة حبكتها وحياكة خطوط العمل هي العامل الذي يميز ذاك الطابع الذي يطغى عليك وأنت تشاهد مثل هذا النوع من الأفلام..  لا أستطيع أن أصنف فيلم The

مراجعة الفيلم الإيراني Taste of Cherry

صورة
  "هو جثة متحركة تسير على قدمين، تتوق إلى الوقوع في أحضان الثرى وأن تتلحف بذرات ترابه حتى تختفي في باطن الأرض وكأن صاحبها لم يكن" هي رحلة رجل يبحث عن الموت وسط أناس يبحثون عن الحياة، رجل يرى الدنيا بعين الميت وكأنه قد حكم على نفسه بحكم لا يملك أن ينطق به لا على نفسه ولا على غيره..  لقد فقد شخصاً عزيزاً لا يعوض ويرغب في اللحاق به إلى حيث ذهب، أو أنه قد خاض غمار الحياة على فرس أعرج تلوى به بين حفرة ومنحدر حتى أيس من انصلاح حاله، بل ربما قد اقترف كماً من الذنوب التي لا يغفرها إلا ربه لكن ضميره لم يرحمه من تأنيبه عليها، لا أعلم تحديداً ما هو دافعه نحو الموت والرغبة في الانتحار كما لا تعلمون جميعاً، لكن صاحب الألم هو من يشعر بآهاته وليس مرافقه أو من يستمع إلى تلكم الآهات، فلن نشعر أبداً بمكنون وجعه ولن يفهم هو قط مكنون نصحنا له.. هو يعلم أن قتل النفس خطيئة مثلما أخبره الجندي، ويحفظ الأحاديث التي تحرم الانتحار عن ظهر قلب كما أخبره الجامعي، ومتيقن تمام اليقين من أن نصائح العجوز له لن تغير من قراره شئ، فقد عزم وخطط وتوكل..  ذلك العجوز الذي وجد بطلنا ضالته الضائعة طوال رحلته فيه، عجوز

مراجعة مسلسل Barry

صورة
"حَكِّم سلاحك في رقاب العُزَّلِ  وإذا نَزلتَ بِدارِ ذُلٍ فارحلِ   وإذا بُليتَ بظالمٍ كُن ظالما   وإذا لَقيتَ ذَوي الجهالةِ فاجهلِ هي أبيات قالها عنترة بن شداد وتصرفت أنا فيها ونفذها على الشاشة باري بينكمان" لا يزال فيلم Taxi Driver هو أفضل عمل شاهدته لمارتن سكورسيزي وتحفته المثالية التي لا أمل من تفاصيلها أبداً، كذلك شخصية ترافيس بيكل هي الشخصية الأفضل في مسيرة النجم روبرت دينيرو الذي أبدع في تقمصها إلى درجة اقنعتني أنه وبالفعل مصاب بإضطرابات ما بعد الحرب، ذلك المرض النفسي الذي يصيب نسبة من الجنود عقب عودتهم من ميدان المعركة حيث تسيطر عليهم ضغوطات الحرب ومشاهد القتال والخوف من الموت والسعي في الإنتقام إلى درجة تدخلهم في نوبة هلع تشبه نوبات الصرع الكبرى.. ورغم كل ذلك المديح الذي انهال من قلمي على فيلم Taxi Driver لكنه صنع فراغاً في داخلي لم يتمكن شغفي من تحمله حتى كاد يلتهمني الفضول لملء ذلك الفراغ الذي صنعته شخصية ترافيس بيكل، ذلك الفراغ الذي بدأ بفكرة أو تساؤل حول ما إذا تعمقنا أكثر في أولئك المرضى المصابين بهذا الاضطراب، وما إذا لم يتحكموا في تلك النوبات فتتطور معهم إلى شئ