مراجعة فيلم The Black Phone



"قُضي في الحياة أن يكون المنتصر هو من يتلقى الضربات.. لا من يضربها" - مصطفى صادق الرافعي 

إننا نعيش في سنة سينمائية إستثنائية من كل النواحي والاتجاهات، فجميع إنتاجاتها التي انتظرت منذ بدايتها وحتى انتصافها كانت على قدر المتوقع بل وتخطته في البعض منها، حتى الأفلام التي لا تتوافق مع توجهي حملت لي مفاجآت فنية لم أكن أتخيلها منها، وهذا الفيلم هو واحد من الأفلام التي لم تخيب ظني كمشاهد انتظر رؤيته منذ صدور إعلانه الأول على الإنترنت..

تجربتي الثانية مع المخرج سكوت ديريكسون - وليس دركسون كما قال زميلي في العمل - بعد مشاهدتي لفيلمه الشهير Sinister والذي أعجبني كفيلم رعب مكتوب بأسلوب مختلف وطريقة سرد مبتكرة رفعت من أسهم فيلمه الجديد عندي مثلما حدث مع أغلب المشاهدين وهي المشكلة الأكبر التي واجهها هذا الفيلم وسأذكرها لاحقاً في نهاية كلامي..

كم أعشق الأفلام ذات الطابع الغريب وإن تكررت فكرتها أو الكليشيه المبنية عليه لكن اختلاف القصة وطريقة سردها وصناعة حبكتها وحياكة خطوط العمل هي العامل الذي يميز ذاك الطابع الذي يطغى عليك وأنت تشاهد مثل هذا النوع من الأفلام.. 

لا أستطيع أن أصنف فيلم The Black Phone في فئة واحدة بعينها فهو ليس رعباً بالمعنى الصريح وإن احتوى على لقطات خضات أو Jumb-Scares كما يحلو لمواليد صانسيت بوليفارد أن ينطقها، كما لا يمكن أن أصنفه كفيلم غموض لأن لا شئ غامض عليك كمشاهد حتى ولو كان غامضاً على أبطال الفيلم، إلا أن المؤكد بأنه قد حمل من كل بستان فني زهرة سينمائية تختلف رائحتها عن الأخرى وكأن ديريكسون يقدم لنا باقة من الزهور الجميلة التي يستحيل علينا أن نرفضها..

يبدأ الفيلم بطريقة بسيطة واجتماعية تماماً كبداية فيلم Sinister، يلقي لك قصته كالفتات وأنت تتبعها عبر المشاهد والكادرات، يروي لما أبعاد شخصية البطل فيني وعلاقته بأخته جوين، ثم يسرد بذكاء العلاقة المعقدة بينهما وبين والدهما، بعدها ندخل في عمق الحدث الرئيسي لنجد أن كل ما سبق وما سيجئ تم التمهيد له كتابياً وبشكل رائع من ديريكسون الذي صنع لنا فيلماً درامياً في إطار من التشويق والإثارة مع أجواء من الجريمة المرصعة بالرعب.. 

فيلم متكامل لكنه لم يكن كاملاً لسببين بسيطين لو تم تداركهما لحصل مني على علامة كاملة وباستحقاق..

السبب الأول : عدم الخوض في شخصية الخاطف التي أبدع ايثان هوك في تجسيدها، لكن هذا الإبداع التمثيلي لم يكفيني لكي أستنبط الدافع وراء هذه الشخصية ووراء تلك الأقنعة التي ترتديها، بل هناك تساؤلات وعلاقات طرحها الفيلم ولم يجب عنها حتى ولو قصد ديريكسون ذلك لكي يركز على شخصية الفتى فيني بدلاً من التركيز على شخصية الخاطف، لكن الأغلب ومنهم أنا دخلنا الفيلم من أجل شخصية الخاطف وليس فيني وبالتالي لم يسترضيني المخرج بهذا التجاهل الغريب لذلك الجانب المهم من القصة..

السبب الثاني : هو نفس سلبية فيلم Sinister من وجهة نظري وهو حاجة الفيلم لوقت أطول مما عرض على الشاشة، فعلى الأقل كان هناك من ربع إلى ثلث ساعة يمكن أن تضاف على زمن الفيلم الفعلي وبالتالي نحصل على سيناريو أفضل مما حدث ولربما ساهم في تفسير السبب الأول..

نأتي إلى السبب الخاص بتشابه الفيلم مع فيلم Sinister لنفس المخرج والكاتب في طريقة السرد والأسلوب لكنه لم يكن موجهاً لمحبي أفلام الرعب عكس ما روج له عبر الوسائل الإعلامية وبالتالي دخل كثيرون منهم السينما وهم يتأملون في مشاهدة فيلم رعب على شاكلة الفيلم الأول لكنهم تفاجأوا بما هو عكس ذلك مما سبب خيبة أمل كبيرة لدى معظمهم والتي أدت إلى تقييمات سلبية عدة من مراجعين ومغردين كثر..

في المجمل هو واحد من الأفلام الرائعة التي سيتم انصافها عند توفرها على المنصات عبر الإنترنت كون التقييمات المتباينة للفيلم ممن شاهدوه على شاشات السينما سوف تجعل المنتظرين نزوله على تلك المنصات هم الجمهور الأكثر انصافاً له..

ملحوظة :

شكراً لهذا الأب الكبير الذي جلس بجانبي رفقة ابنته الشابة والذي كان يتابع معها الفيلم باهتمام ويعلق على أحداثه بأسلوب عفوي كعادة كبار السن، لقد كنت أجمل شئ في تجربة المشاهدة هذه يا عمي 🙏

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة التحفة التلفزيونية Succession

مراجعة فيلم مندوب الليل

مراجعة فيلم كيرة والجن