مراجعة الفيلم الإيراني Taste of Cherry

 


"هو جثة متحركة تسير على قدمين، تتوق إلى الوقوع في أحضان الثرى وأن تتلحف بذرات ترابه حتى تختفي في باطن الأرض وكأن صاحبها لم يكن"

هي رحلة رجل يبحث عن الموت وسط أناس يبحثون عن الحياة، رجل يرى الدنيا بعين الميت وكأنه قد حكم على نفسه بحكم لا يملك أن ينطق به لا على نفسه ولا على غيره.. 

لقد فقد شخصاً عزيزاً لا يعوض ويرغب في اللحاق به إلى حيث ذهب، أو أنه قد خاض غمار الحياة على فرس أعرج تلوى به بين حفرة ومنحدر حتى أيس من انصلاح حاله، بل ربما قد اقترف كماً من الذنوب التي لا يغفرها إلا ربه لكن ضميره لم يرحمه من تأنيبه عليها، لا أعلم تحديداً ما هو دافعه نحو الموت والرغبة في الانتحار كما لا تعلمون جميعاً، لكن صاحب الألم هو من يشعر بآهاته وليس مرافقه أو من يستمع إلى تلكم الآهات، فلن نشعر أبداً بمكنون وجعه ولن يفهم هو قط مكنون نصحنا له..

هو يعلم أن قتل النفس خطيئة مثلما أخبره الجندي، ويحفظ الأحاديث التي تحرم الانتحار عن ظهر قلب كما أخبره الجامعي، ومتيقن تمام اليقين من أن نصائح العجوز له لن تغير من قراره شئ، فقد عزم وخطط وتوكل.. 

ذلك العجوز الذي وجد بطلنا ضالته الضائعة طوال رحلته فيه، عجوز لديه ابن مصاب بفقر الدم وبحاجة للمال، بالتأكيد سوف يوافق على إتمام المهمة المعروضة عليه مقابل هذا الأجر الكبير، فما الذي سيمنعه من أخذ مقابل مادي هو بحاجة إليه من أجل ردم جثة رجل ابتلع حبوب منومة ثم استلقى داخل قبر مكشوف حتى يتوقف جسده عن الحياة.. لكن في المقابل فقد وجدت أنا ضالتي في هذا العجوز وفي مشهده الرائع الذي كان صاعقة حوارية بكل ما تحمله الكلمة من معنى..

كيف تزرع الأمل من جديد داخل نفس رجل لا يرغب في قتل نفسه لكنه فقط يريد أن يقتل جزءاً ما في داخله، كيف تذكره بجمال الدنيا البسيط من شمس مشرقة وأخرى مغربة، وبدر مكتمل ومطر منهمر، وبرق منير وتوت جميل كان لذوبان طعمه في لعاب صاحبه أثر كبير غير حياته..

"كان هناك مريض ذهب إلى طبيب وقال له : كلما أضغط على رأسي أشعر بالألم، أضغط على صدري أشعر بالألم، أضغط على بطني فأشعر بالألم، فلا أدري لماذا جسدي يعاني مثل هذا الألم؟.. فقال له الطبيب : جسدك سليم لكن إصبعك مكسور.. لذلك فأنت سليم لكن وجهة نظرك عن نفسك ليست كذلك"

في عام ٢٠٠٣ كنت أقضي وقتاً مع زميل لي في إحدى صالات البلايستيشن، نلعب المباراة تلو الأخرى وكلما هممت بالذهاب تمسك بي وقال لي بالله عليك اجلس معي قليلاًلا أريد أن أبقى بمفردي، ففعلت مرة وثانية وأخرى، حتى تيقنت بأنني تأخرت على موعد دروسي فبررت له ذلك وتفهم الأمر ثم سلمت عليه وعدت إلى منزلي..

بعد يومين أخبرتني أمي بأن زميلي هذا قد وجدوه غارقاً في ترعة الإبراهيمية بعد أن ألقى بنفسه من أعلى الكوبري منتحراً بسبب خلافات عائلية بينه وأمه وإخوانه..

لازلت حتى اللحظة أعتبر نفسي جزء ولو بسيط مما حصل له، ربما أراد أن يتكلم معي أو يحكي لي أو يفضفض بما في داخله لكن عدم نضوجي الفكري آنذاك لم يجعلني أستنبط ذلك أو أفهمه.. ربما إذا جلست لكان تكلم وبدأ في السرد ومن ثم يلقي عبئاً ثقيلاً من على كاهله من خلال الكلام ولربما عندها لم يكن ليفعل ما فعل.. 

اللهم لا اعتراض على قضائك لكن هذا الأمر بمثابة شاكة صغيرة موجودة في خاطري، أشعر بألمها كلما عُرِضَت في مخيلتي ذكراها أو سمعت خبراً عن انتحار شاب أو شاهدت عملاً سينمائياً يدور حول هذا الموضوع مثل "طعم الكرز".. 

⭐⭐⭐⭐⭐


تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة التحفة التلفزيونية Succession

مراجعة فيلم مندوب الليل

مراجعة فيلم كيرة والجن