مراجعة مسلسل الجريمة DES


 "إن المجتمع يهتم بالناس بعد موتهم، لكنه يهملهم عندما كانوا على قيد الحياة"

قالها "ديس" إلى "برايان ماسترز" المؤلف الذي كتب الرواية الأقرب لحياة القاتل المتسلسل دينيس نيلسون والذي ارتكب واحدة من أبشع سلاسل الجرائم في تاريخ بريطانيا عندما قتل خمسة عشرة شاباً ومثل بجثثهم بعد قتلهم على مدى ٥ سنوات كاملة لم تتمكن الشرطة خلالها من اكتشاف جرائمه إلا عن طريق الصدفة.. 


قبل أن أبدأ فسوف أقوم بمراجعة المسلسل عبر منظورين، الأول هو المنظور القريب السطحي الواضح للعيان، أما الثاني فهو منظور عميق يحمل في خباياه رسائل ما تم وضعها بشكل يحتاج مني وقفة وجيزة..


إلى محبي مسلسل Mindhunter الذين يحلمون مثلي بخاتمة لهذا العمل الرائع، وإلى عشاق مسلسل True Detective الذين يحلمون مثلي أيضاً بموسم جديد يصل إلى نفس مستوى موسمه الأول الأسطوري، فهذا العمل القصير المكون من حلقاتٍ ثلاث هو مزيج بين العملين المذكورين ولكن بنظرة إنجليزية مختلفة كلياً عن نظريتها في أمريكا..


مسلسل Des وعبر ساعتين ونصف مدة حلقاته مجتمعة تقريباً استطاع أن يقدم لنا قصة القاتل المتسلسل تيد نيلسون بأسلوب شيق، مثير، صادم وعنيف..

فمنذ اللقطة الأولى يسترعي المسلسل انتباهك ثم يبدأ في رمي بذور قصته وبشكل سريع ومريح بلا أي ابتذال أو تجميل في نمط إخراجي إنجليزي كلاسيكي ومعتاد..


أجواء البرود والهدوء التي تطغى على الحوارات الإنجليزية مع الواقعية الصادمة في تناول الجريمة ومن ثم يتم نقلنا إلى مرحلة أخرى من القضية، مرحلة يكون المجرم هو المتحدث الرئيسي خلالها بينما كل الشخصيات التي حوله لا يمكنها مبارزته عبر أي مشهد من المشاهد ومهما كان وضعه فيه..

كم كنت أعشق آداء ديفيد تينان وهو يتكلم بتلك النبرة النرجسية مع هدوء الأعصاب الغريب الذي لازمه وهو يتناقش بأخذ ورد وثبات انفعالي لم نرى مجرم قبل ذلك في مثل هدوءه اللافت للنظر.. 


ننتقل بعدها إلى الحلقة الثانية والتي نرى فيها وعبر منظار مقعر خبايا التحقيقات والفساد والتواطؤ داخل الشرطة البريطانية.. 

نجد الكثير من الصدمات والخبايا والتخاذل الأمني الذي ما خفي عنه كان أعظم.. إلى أن تصل إلى خاتمة المسلسل والتي  قدمت بطريقة مقبولة ومرضية لدى الجميع.. 


عيوب العمل.. 

ليس معنى أن العمل أعجبني فهذا يبرؤه من العيوب أو السلبيات بل على العكس فقد عانيت من بعض النقاط السلبية التي أثرت على استمتاعي بالأحداث مثل الحشر الغريب للشذوذ الجنسي لدى المؤلف والذي كان سلبية كبرى طوال المسلسل، أيضاً تكرار بعض الحوارات من منظور مختلف وبنفس الأشخاص كان أمراً فيه من الاستسهال الكتابي الكثير، ولا ننسى أن المسلسل كان يتحول وبدون قصد إلى عمل وثائقي وليس درامي وبالتالي لم ارتبط بأي شخصية طوال العمل سوى مع شخصية دينيس الذي استحوذ على العمل بعنوانه الذي حمل إسمه وبآداءه الذي رفع المسلسل إلى مستوى تمثيلي إبداعي 


هذا من المنظور الأول.. أما المنظور الثاني فهو ذلك الذي إذا تعمقنا فيه نجد بأن العمل لم يقصد طرح قصة ديس لتكون هي القصة الأساسية بل دخل إلى لب المشكلة واصلها عندما تطرق إلى مجتمع المشردين الذين ملأوا شوارع بريطانيا وكانوا بمثابة السمك الذي يقتات عليه ذلك القرش المسمى ديس.. 

إلى نظام كامل يدعي عكسما يفعل والدليل كثرة البلاغات عن أناس مفقودين لكن لا أحد يتحرك من أجلهم كونهم مشردين لن يهتم بهم أحد إذا ماتوا أو فُقِدوا.. 


ومن خلال هذا المنظور نكتشف أيضاً بأن المخرج تفنن في تلميع الشواذ بشكل فج، بل ودافع عنهم بطريقة بائسة، سواء من استعراض شذوذ الضحايا بشكل يطلب منك التعاطف معهم أو من خلال إبراز الشذوذ الموجود لدى المؤلف بطريقة مقززة كان يمكن الاكتفاء بالإشارة إليها من دون التوغل في تفاصيلها.. 


أعلم بالطبع أنه أمر مفروض عليهم من أجل التنافس على الجوائز الكبري لكنني لن أتوقف عن الكلام عن هذا الأمر أو انتقاده لكي يعلم القاصي قبل الداني بأن هناك أشخاصاً تقول عن الباطل بأنه باطل وتواجهه لأنهم وإن سكتوا عن إبراز الحق فإن أهل الباطل سيظنون بأنهم على حق.. 


تقييمي للمسلسل ٣.٥ /٥

ولا يصلح بكل تأكيد للمشاهدة العائلية 🔞


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مراجعة فيلم مندوب الليل

مراجعة التحفة التلفزيونية Succession

مراجعة فيلم كيرة والجن